مخلص حياة الامام محمد عبده وتألفيه لكتاب " الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية "

 

تقديم:-

هذا الموضوع من الموضوعات الهامة جدا، ذلك لأن الشيخ محمد عبده يعد من الأئمة المجددين في عصرنا الحديث، وما أحوجنا اليوم لأئمة مجددين يسيرون علي نهج الإمام.

ترى الدكتورة زينب أن الموضوع معروض بشكل جيد في الكتاب، ويكفي تلخيصه في ثلاث أو أربع صفحات علي الأكثر، هذا إلي جانب التقديم المطروح اليوم في المحاضرة.

ويمكن تلخيص موضوع الإمام محمد عبده في عدة جزئيات أساسية، وهي:-

1- شخصية وعقلية الإمام محمد عبده، وكيف تشكلت وتأثرت بخلفيته الاجتماعية.

2- مكانة العقل عند الشيخ محمد عبده وأهم مؤلفاته.

3- توجهه التنويري وأصول منهجه الإصلاحي.

أولا: كيف تشكلت شخصية وعقلية الشيخ محمد عبده:- 

رغم أن الإمام محمد عبده لم يكن الأوحد في زمانه من أصحاب الخلفيه الدينية الإسلامية القوية،  والدراسة العلمية الأزهرية، فإنه مع هذا كان أكثر أئمة زمانه الأزهريين شهرة وثقلا وأهمية في التاريخ الحديث، ذلك لأنه كان أهمهم وأكبرهم أثراً في مجتمعنا مقارنة بأقرانه الذين ظهروا في عصره، ما يجعلنا نهتم بخلفيته ومراحل نشأته التاريخيه:

المرحلة الأولي: نشأته الدينية في الكتاب ودراسته في الجامع الأحمدي، ولقائه بأستاذه الأول الشيخ درويش خضر:

ولد الإمام "محمد عبده" في عام ( 1266 هـ = 1849 م ) لأب تركماني الأصل، وأم مصرية، ونشأ في قرية صغيرة من ريف مصر هي قرية "محلة نصر" بمحافظة البحيرة.

أرسله أبوه- كسائر أبناء قريته – إلي الكتاب، حيث تلقي دروسه الأولي علي يد شيخ القرية، وعندما شب الأبن أرسله أبوه إلي "الجامع الأحمدي" جامع السيد البدوي- بطنطا ليجود القرآن بعد أن حفظه، ويدرس شيئاً من علوم الفقه واللغه العربية.

وكان محمد عبده في نحو الخامسة عشرة من عمره، وقد استمر يتردد علي "الجامع الأحمدي" قريباً من العام ونصف العام، إلا أنه لم يستطع أن يتجاوب مع المقررات الدراسية أو نظم الدراسة العقيمة التي كانت تعتمد علي المتون والشروح التي تخلو من التقنين البسيط للعلوم، وتفتقد الوضوح في العرض، كما واجه مشكلة مع العقليات الجامدة للمشايح والمعلمين الذين يرفضون النقاش ويفتقرون إلي فنون الشرح والتفهيم، ففقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلي الزراعة، ولكن أباه أصر علي تعليمه، فلما وجد من أبيه العزم علي ما أراد وعدم التحول عما رسمه له، هرب إلي بلدة قريبة فيها بعض أخوال أبيه.

وهناك التقي بالشيخ الصوفي "درويش خضر" خال أبيه – الذي كان له أكبر الأثر في تغيير مجري حياته.

وكان الشيخ درويش متأثراً بالفكر الصوي وحاول استمالة محمد عبده ببعض كتب الصوفية التي انجذب إليها محمد عبده لفترة، ولكنها لم تشبع رغبته ونهمه للمعرفة.

وكان الشيخ " درويش " قد استطاع أن يعيد الثقة إلي محمد عبده، بعد أن شرح له بأسلوب لطيف ما استعصي عليه من تلك المتون المغلقة، فأزال طلاسم وتعقيدات تلك المتون القديمة، وقربها إلي عقله بسهولة ويسر، فعاد محمد عبده إلي الجامع الأحمدي، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهما للدروس التي يتلقها هناك، بل لقد صار "محمد عبده" شيخاً ومعلماً لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ.

 

 

المرحلة الثانية: انتقاله إلي الأزهر وتخرجه:- 

انتقل محمد عبده من الجامع الأحمدي مع أخيه إلي الجامع الأزهر فدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية.

وكانت الدراسة في الأزهر – في ذلك الوقت – لا تخرج عن هذه العلوم في شئ، فلا تاريخ ولا جغرافيا ولا طبيعة ولا كيمياء ولا رياضيات وغير ذلك من العلوم التي كانت توصف – آنذاك – بعلوم أهل الدنيا.

ولذلك فقد شاب الدراسة في الأزهر – في ذلك الوقت – كثير من التخلف والجمود، وتوقفت العلوم عند ظواهر الأشياء دون النفاذ إلي الجوهر، ومن ثم كانت الدراسة تنصب علي المتون والحواشي والشروح بالدرجة الأولي.

وقد جذبه في ذلك الوقت علوم المعتزلة بسبب توجههم العقلاني المنطقي، ولكنه لم يتبع عقيدتهم ولم ينح نحوهم في الدين، ذلك لأن الشيخ محمد عبده كان يسعي لتعلم الشريعة الإسلامية بمنهجية تختلف عن منهجية الأشاعرة – أهل الأزهر – والمعتزلة وغيرهم من أصحاب المدارس الفقهيه المختلفة في زمنه، فقد كان يبحث عن شئ مختلف.

ووجد محمد عبده ضالته حينما التقي باستاذه جمال الدين الأفغاني الذي أعجب بذكائه وعقله المستنير فلمع نجمه عنده وتكونت بينهما صداقة قوية.

تتلمذ محمد عبده علي يد الشيخ حسن الطويل والأفغاني حتي تخرج في الأزهر وعمل في جريدة الوقائع المصرية وكان يكتب مقالات ثورية إصلاحية، ورغم أن محمد عبده والأفغاني كليهما كان ثورياً مناهضاً للأحتلال الأنجليزي آنذاك، إلا أن كلا منهما كان له منهجا مختلفاً في المقاومة.

حيث كان يري الأفغاني ضرورة المواجهة المسلحة، بينما يري الإمام أن التعليم والأصلاح العقلي والتنويري هي السبيل الأقوي للمواجهة.

مقالات الشيخين تسببت في نفيهما إلي بيروت، ولكن محمد عبده استمر في الكتابة وإرسال المقالات إليها، حتي أغلقت تماماً، ثم سافر إلي فرنسا حيث اجتمع من جديد مع صديقة الأفغاني لينشئا معا مجلة العروة الوثقي التي قامت بنفس دور جريدة الوقائع إلي أن اغلقت بعد 18 شهراً.

المرحلة الثانية: عودته إلي مصر ليبدأ رحلة الإصلاح:-

عاد محمد عبده إلي مصر ليدرس في دار العلوم المعارف والعلوم الجديدة التي عرفها في رحلته إلي فرنسا، وكانت تلك هي بداية إصلاح التعليم في مصر، ثم اتجه لإصلاح المحاكم الشرعية، حيث كان يري أن الإصلاح المجتمعي يبدأ من هتيين المؤسستين.

ثم عين الشيخ مفتياً ليس فقط للديار المصرية، وإنما أيضا للشام وفلسطين، حيث كانت ترجع إليه تلك البلاد في أمر الفتوي.

وأصدر الشيخ محمد عبده الكثير من الفتواي التي عدت حينها فتاوي مغايرة تماماً لما جري عليه العرف والعمل في المذاهب التي سادت قبله.

وكان الإمام من القوي والشجاعة بمكان استطاع معه إصدار هذه الفتاوي بالمخالفة للسابقين، مثل ما يتعلق منها بإباحه ارتداء الزي الغربي ومثل تحليل الاستثمار في البنوك.. وغيرها.

ثانيا: مكانة العقل عند الأمام محمد عبده وأهم مؤلفاته:-

كانت نشأة محمد عبده الدينية، مع اطلاعه علي علوم المعتزلة والصوفية وغيرها له كبير الأثر علي توسعه مدراكه العقلية وتشكيل عقليته النقدية.

تلك العقلية التي أنكرت علي السابقين جمود فكرهم وتشبث عقلهم بالقديم، ورفضهم للنقاش والحوار العقلي، وهو ما تصادم مع قناعته الشخصية بأن الإنسان لا تكتمل إنسانيته إلا بإرادة مستقلة مع فكر وعقل مستقل.

وكان يؤمن بأن هذه البداية بمعرفة مكانة العقل، إلي جانب البناء السلين للشخصية، هو ما يمهد أمامه الطريق ليصلح الأرض ويعمرها كما أمره الله تعالي.

وهو ما ظهر في مؤلفاته الإمام، حيث كان أحد أهم مؤلفاته:-

الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية:-

وكان السبب في تألفيه لهذا الكتاب هو محاولة المستشرقين النيل دائماً من الإسلام، وما كان يوجهه المستشرقون من اتهامات باطلة للعقيدة الإسلامية، حتي أن بعضهم كان يري أن الإسلام هو سبب تخلف البشرية، ذلك لأن مسألة الإيمان بالقضاء والقدر- حسب اعتقادهم – تجعل الإنسان يكسل عن العمل لتسليمه بأن المقدر هو ما سيكون في كل حال.

ومنها بعض الانتقادات التي وجهت للنبي – عليه الصلاة والسلام – نفسه ولتعدد زوجاته ... وغيرها من الأمور تصدي لها الإمام في كتابه بالرد علي جميع تلك الإدعاءات ردا منطقيا عقلانيا.

ومن أهم مؤلفاته كتابة " الإسلام بين العلم والمدنية" وذلك الكتاب الذي أوضح به منهجه التنويري الإصلاحي الذي يدعو فيه المسلمين إلي إصلاح أنفسهم والخروج من دائرة التقليد التي حصروا أنفسهم فيها.

ثالثا: توجهه التنويري وأصول منهجه الإصلاحي.

وضع الإمام محمد عبده لمنهجه الدعوي مجموعة من الأصول، منها:

1-النهي عن التقليد:

فيري الإمام أن ما كان مناسبا في القرون الماضية لا يمكن ان يكون مناسباً للعصور الحالية. وللتوضيح فإن الإمام لم يدع لفصل الدين عن الدولة، ولكنه نادي بأن يكون الأساس هو النهي عن التقليد، وعد ذلك هو البداية الحقيقية لنهج منهج جديد يكون فيه الإسلام هو وسيلتنا لتطوير حياتنا بمفهوم حديث.

2- التثقيف وإدخال العلوم الطبيعية الحديثة المختلفة الي مناهج التعليم إلي جانب العلوم الدينية:-

ذلك لأنه يؤمن بأنه لا غني للمجتمع الذي يريد أن يتقدم عن العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية واهتم كثيراً بعلوم التاريخ لأنه يري أن دراستنا للتاريخ تعرفنا أين نقف وكيف نتحرج وإلي أي اتجاه يجب أن نحرك ركب المسيرة.

3- التربية وبناء الشخصية:-

وقصد الإمام بهذا الأصل التأكيد علي أن التربية والتعليم صنوان، ووجهان لعملة واحدة، لا غني لأحدهما عن الآخر، فإنه لا يمكن لسلاح العلم وحده أن يحقق نهضة مالم يكن حامله فارساً رشيداً.

وقد جاء الإمام محمد عبده كمعلم من معالم التنوير والحداثة والدعوة إلي النهضة الحديثة بعد قرون من الجهل والظلام عاشت فيها البلاد الإسلامية لعقود طويلة منذ الحكم العثماني وحتي سقوط الدولة العثمانية، ثم وقوعها في القبضة الأستعمارية...

حيث سلم العهد العثماني الأرض للمستعمر، فخرجت البلاد من جهل إلي جهل حتي جاء دعاة التنوير ليحاربوا هذا الأحتلال وينهضوا بالتعليم الذي كان سلاحهم الأول في مواجهة هذا الجهل من أمثال محمد عبده.

4-استخدام العقل لتصحيح الإيمان:-

كان الإمام محمد عبده يري أن دور العقل لا يقتصر علي العلم فقط، ولا يقف عند حدود الأعمال الإصلاحية الدنيوية، وإنما يمتد إلي دوره إلي تصحيح الأعتقاد الإيماني نفسه ليقوم علي بينه ودليل عقلي لا مجرد تسليم تبعي.

وكان الشيخ من مناصري الفكري التحرري الذي يدعو إلي تحرير المرأة مثل طه حسين وقاسم أمين.

وفي كتابة "الأسلام دين العلم والمدنية" المشار إليه أكد الإمام محمد عبده أن الإسلام دين يصلح لكل زمان ومكان  ويدعو للعلم ويضع قواعد الدولة المدنية.

أما عن منهج الشيخ محمد عبده في الإصلاح فيمكن تلخيص أهم ما يميزه في الآتي:-

1-  استخدام العقل لتحصيل الإيمان ( أي الإيمان عن اقتناع عقلي).

2- الموازنة بين ظاهر النص ومنطق العقل: ذلك لأنه إذا تعارض ظاهر النص مع العقل فنحن أما حالتين:

-      إما أن يفهم النص علي ظاهرة .. وهنا لا إشكالية.

-      أو: إلا يفهم النص علي ظاهرة، وهنا نكون أمام خيارين بالتالي:

·       إما أن نأخذ النص علي ظاهره ونترك تأويله لله.

·       أو أن نؤول النص بما لا يتعارض مع منطق العقل.

3-  الإتيان علي السلطة الدينية والقضاء عليها من جذورها:

ذلك لأنه ليس هناك كهنوت في الدين الإسلامي، ولا توجد وساطة لرجل الدين بين العبد وربه، وليس لرجل الدين سلطة علي العباد، وأن رجل الدين المقصود في الإسلام هو العالم المختص بأمور الدين والعلوم الفقية والدينية فيسمي عالم الدين ولا نقل "رجل دين".

4- النهي عن التفكير: وذلك لأن الإسلام لم يأت ليكفر الناس.

5-  الإعتبار بسنن الله في خلقه: ويقصد بها دراسة العلوم الطبيعية التي تعيننا علي اكتشاف العلاقات الكونية بين الموجودات المختلفة فنستطيع التعرف علي قدرة الله في الخلق وسننه في الكون .

 

تعليقات